تكفلت كتب علوم الحديث ببيان ما يتصل بالجرح والتعديل، ولعل أول كتاب ألف في علوم الحديث هو المحدث الفاصل بين الراوى والواعى للرامهرمزى، المتوفى سنة ٣٦٠ هـ. ولكن قبل هذا بكثير كان لبعض الأئمة الأعلام ما يتصل بالجرح والتعديل من أحكام عامة، وبيان لمن تقبل روايتهم ومن ترد وذكر لأسماء كثير من هؤلاء الرواة. وتوسع بعضهم في ذكر هذه الأسماء فيما يعرف بكتب الرجال، ومن أقدمها وأنفعها ما كتبه الإمام البخارى في تاريخه الكبير، وفى الضعفاء، وكان أثره واضحاً، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم المتوفى سنة ٣٢٧ هـ.
وكتب علوم الحديث حفظت لنا آراء الأئمة من الجرح والتعديل، ولكن قبل أن ننظر في هذه الكتب أريد أن أثبت هنا بعض ما جاء في غيرها سابقا لها، وأكتفى ببعض ما كتبه ثلاثة من الأئمة:
أولهم الإمام الشافعى، صاحب كتاب الرسالة، الذى يعد أول ما صنف في أصول الفقه، وفى هذا الكتاب، تحدث الإمام عن خبر الواحد فقال:
ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدث به، عالما بما يحيل معانى الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدى الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يحيل معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه إن حدث من كتابه. إذ شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم، بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقى ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبى ما يحدث الثقات خلافه عن