للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثامن: في عصر السيوطي]

وفى هذه العجالة التي لاتهدف إلى الحصر والاستقصاء، ننتقل من القرن الثالث إلى القرن التاسع، فنرى الإمام السيوطى يؤلف كتابا تحت عنوان " مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة "، وبين سبب تأليف كتابه فقال: اعلموا - يرحمكم الله - أن من العلم كهيئة الدواء، ومن الأراء كهيئة الخلاء، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة، وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارساً - بحمد الله تعالى - منذ أزمان، وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علواً وشرفاً - لا يحتج بها، وأن الحجة في القرآن خاصة، وأورد على ذلك حديث " وما جاءكم عنى من حديث فاعرضوه على القرآن، فإن وجدتم له أصلاً فخذوا به وإلا فردوه " (١)


(١) ذكر الإمام الشافعى في رسالته، تحت باب العلل في الأحاديث، قول قائل: أفتجد: حجة على من روى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " ما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته وما خالفه فلم أقله "؟
وأجاب: " فقلت له: ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر، فيقال لنا: قد ثبتم حديث من روى هذا فى شئ " (الرسالة: ٢٢٤ ـ ٢٢٥) .
وقال السخاوى في تخريج الحديث: قال الدار قطنى: إن أشعث تفرد به. انتهى.

وهو شديد الضعف، والحديث منكر جداً، استنكره العقيلى وقال: إنه ليس له إسناد يصح. (المقاصد الحسنة ١ / ٣٦) .
وذكر العجلونى قول السخاوى، وقال: قال الصغائى: هو موضوع (انظر كشف الخفاء ١ / ٨٦) .
وقال ابن حزم في رواية لحديث عرض السنة على القرآن: رواه الحسين بن عبد الله، وهو ساقط متهم بالزندقة (الأحكام: المجلد الأول ص ٢٥٠) . وفى رواية أخرى رواها أشعث قال: أشعث بن بزار كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه (٢٥٢) وتتبع الروايات المختلفة للحديث، = = وبين سبب رفضه لها، ثم قال: أول ما نعرض على القرآن الحديث الذى ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ، وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} ، وقال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيما} .
ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أى قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات؟ وأن المغرب ثلاث ركعات؟ إلخ ص (٢٥٢ ـ ٢٥٣) ، ثم قال ابن حزم " ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم ". (ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ من الإحكام المجلد الأول) .
وقال الشيخ شاكر في تخريج الحديث: هذا المعنى لم يرد فيه صحيح ولا حسن، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة، كلها موضوع أو بالغ الغاية في الضعف حتى لايصلح شئ منها للاحتجاج أو الاستشهاد. ثم أفاض في بيانه - انظر حاشية ص ٢٢٤ - ٢٢٥ من الرسالة.

<<  <   >  >>