من المعلوم أن الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كتابة أحاديثه الشريفة، وأنه كذلك أباح، وأمر بمثل هذه الكتابة، وبالطبع لا يمكن أن يجتمع النهى والإباحة والأمر مع اتحاد الزمان والأحوال. والمتتبع لهذا يجد أن النهى صدر في أول الأمر حتى لا يختلط شىء بكتاب الله تعالى كما يبدو، أو لأية حكمة أخرى.
والصحيح في النهى ينحصر في حديث واحد رواه الإمام مسلم في كتاب الزهد من صحيحه، تحت باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، ورواه بسنده، عن أبى سعيد الخدرى، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولا حرج، ومن كذب على - قال همام: أحسبه قال متعمداً: فليتبوأ مقعده من النار ".
وقال الإمام النووى في شرح الحديث الشريف:
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا تكتبوا عنى غير القرآن ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه " قال القاضى: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم: فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم.
ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف. واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهى، فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لايوثق بحفظه، كحديث " اكتبوا لأبى شاه "، وحديث صحيفة على رضى الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذى فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة، ونصب الزكاة الذى بعث به أبو بكر رضى الله عنه أنسا رضى الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبو هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث، وقيل: إن حديث النهى منسوخ بهذه الأحاديث، وكان