الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، كالنصارى والجهمية وأمثالهم من أهل البدع والأهواء، الذين يدعون النصوص الصحيحة الصريحة التي توجب العلم، ويعارضونها بشبه لا تفيد إلا الشك، لو تعرض لم تثبت. وهذا في المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات، وهو القدح فيما علم بالحس والعقل بشبهة تعارض ذلك. فمن أراد أن يدفع العلم اليقينى المستقر في القلوب بالشبه، فقد سلك مسلك السفسطة، فإن السفسطة أنواع: أحدها: النفى والجحد والتكذيب: إما بالوجود وإما بالعلم به.
والثانى: الشك والريب، وهذه طريقة اللاأدرية، الذين يقولون: لا ندرى، فلا يثبتون ولا ينفون، لكنهم في الحقيقة قد نفوا العلم، وهو نوع من النفس فعادت السفسطة إلى جحد الحق المعلوم أو جحد العلم به.
والثالث: قول من يجعل الحقائق تبعا للعقائد، فيقول: من اعتقد العالم قديما فهو قديم، ومن اعتقده محدثا فهو محدث، وإذا أريد بذلك أنه قديم عنده ومحدث عنده فهذا صحيح، فإن هذا هو اعتقاده. لكن السفسطة أن يراد أنه كذلك في الخارج.
وإذا كان كذلك فالقدح فيما عُلم من أحوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الخلفاء الثلاثة، وما علم من سيرتهم بعده بأخبار يرويها الرافضة، يكذبهم فيها جماهير الأمة من أعظم السفسطة، ومن روى لمعاوية وأصحابه من الفضائل ما يوجب تقديمه على علىّ وأصحابه، كان كاذباً مبطلا مسفسطاً.
ومع هذا فكذب الرافضة الذين يروون ما يقدح في إيمان الخلفاء الثلاثة ويوجب عصمة علىّ، أعظم من كذب من يروى ما يُفضَّل به معاوية على علىّ، وسفسطتهم أكثر؛ فإن ظهور إيمان الثلاثة أعظم من ظهور فضل علىّ عَلَىَ معاوية من وجوه كثيرة، وإثبات عصمة علىّ أبعد عن الحق من إثبات فضل معاوية.
ثم خلافة أبى بكر وعمر هي من كمال نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته، ومما يُظهر أنه رسول حق، ليس ملكا من الملوك؛ فإن عادة الملوك إيثار أقاربهم بالولايات