ومن العنوان الذي اختاره الفراء يتضح الهدف من أماليه، فهو لا يريد تفسير القرآن الكريم آية آية، وإنما يقف عند بعض الآيات الكريمة ليفسر مشكل الإعراب والمعانى. ولذلك رأينا الكتاب يزخر بمناقشات نحوية مستفيضة، ووقفات لغوية.
وهذا التفسير يعتمد على تمكن صاحبه من اللغة، ومعرفته بأساليبها، وإمامته في النحو، ومعرفته بلهجات العرب، وبالقراءات المختلفة.
ولا نكاد نجد فيه اهتماماً بذكر الأخبار المروية عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو الصحابة أو التابعين.
ومثل هذا التفسير لا يعد من التفسير المأثور، ولعله أول كتاب يصلنا في التفسير العقلى، وقيمته العلميه تستند إلى مدى التزامه بالمنهج العلمى المقبول لمثل هذا النوع من التفسير، وتمكنه من أدواته ووسائله. ولنذكر شيئا من هذا التفسير يوضح منهجه.
بعد قول الفراء السابق " تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه " قال:
فأول ذلك اجتماع القراء وكتاب المصاحف على حذف الألف من
{بسم الله الرحمن الرحيم} وفى فواتح الكتب، وإثباتهم الألف في قوله:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ... وأخذ يبين سبب هذا، ثم انتقل إلى تفسير أم الكتاب فقال: قوله تعالى: {الْحَمْد للهِ} .
اجتمع القراء على رفع الحمد. وأما أهل البدو فمنهم من يقول:{الْحَمْدَ للهِ} ومنهم من يقول {الْحَمْدِ للهِ} . ومنهم من يقول {الْحَمْدُ للهِ} . فيرفع الدال واللام.