للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر: كان بعض أهل البصرة يزعم أن: " لا " مع " الضالين " أدخلت تتميما للكلام، والمعنى إلغاؤها، ويستشهد على قيله ذلك ببيت العجاج:

ما كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللهِ فعلَهُمُ ... وَالطيبَان أبو بَكْرِ وَلا عُمَرُ

فجاز ذلك، إذ كان قد تقدم الجحد في أول الكلام.

قال أبو جعفر: وهذا القول الآخر أولى بالصواب من الأول، إذ كان غير موجود في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه بـ " لا " التي معناها الحذف، ولا جائز العطف بها على " سوى " ولا على حرف الاستثناء. وإنما لـ " غير " في كلام العرب معان ثلاثة، أحدهما: الاستثناء، والآخر: الجحد، والثالث: سوى. فإذا ثبت خطأ أن تكون " لا " بمعنى الإلغاء مبتدأ، وفسد أن يكون عطفا على " غير " التي مع " المغضوب عليهم " لو كانت بمعنى " إلا " التي هي استثناء، ولم يجز أيضا أن يكون عطفا عليها لو كانت بمعنى " سوى "، وكانت " لا " موجودة عطفا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قبلها ـ صح وثبت أن لا وجه لـ " غير " التي مع " المغضوب عليهم "، يجوز توجيهها إليه على صحة، إلا بمعنى الجحد والنفى، وأن لا وجه لقوله " ولا الضالين " إلا العطف على " غير المغضوب عليهم ".

فتأويل الكلام إذا ـ إذ كان صحيحا ما قلنا بالذى عليه استشهدنا ـ اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، لا المغضوب عليهم ولا الضالين.

فإن قال لنا قائل: ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بالاستعاذة بالله أن يسلك بنا سبيلهم ونضل ضلالهم؟

قيل: هم الذين وصفهم الله في تنزيله فقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} " سورة المائدة: ٧٧ ".

<<  <   >  >>