للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسنة الشريفة لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات، وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة، والأئمة الأطهار ـ عليهم الصلاة والسلام. حتى قيل ما من عام إلا وقد خص. ولذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام، لأن في الكتاب المجيد والسنة عاماً وخاصاً، ومطلقاً ومقيداً، وهذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت، وصاحب البيت أدرى بالذى فيه.

وهذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص، واليأس من وجود المخصص، لجواز أن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام. وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس ". ا. هـ.

والسنة ـ عند الجعفرية تتسع لتشمل أقوال أئمتهم، وهم مجمعون على الأخذ بما ورد من كلام الأئمة مخصصا لكثير من عمومات القرآن الكريم، ومقيداً لكثير من مطلقاته، وما قام قرينة على صرف جملة من ظواهره، ويعتبرون هذا من الأمور القطعية التي لا يشك فيها أحد (١) . ولكن المخصصات التي ترد عن الأئمة أتعتبر من باب النسخ أم التخصيص؟ خلاف وقع بين الجعفرية!

النسخ بعد عصر النبوة:

١ ـ فمنهم من ذهب إلى أن المخصصات ناسخة لحكم العمومات، لأن العام لما ورد وصل وقت العمل به بحسب الغرض، فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصاً ومبيناً لعموم العام يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة. وهو قبيح من الحكيم، لأن فيه إضاعة للأحكام ولمصالح العباد بلا مبرر. فوجب أن يكون ناسخا للعام، والعام باق على عمومه يجب العمل به إلى حين ورود الخاص، فيجب العمل ثانيا على طبق الخاص (٢) .


(١) انظر أصول الفقه للمظفر ١ / ١٤١: ١٤٢.
(٢) المرجع السابق ١ / ١٤٣: ١٤٤ وعند أهل السنة إذا قصر العام على بعض أفراده يعتبر تخصيصاً عند جمهور الأصوليين، لأن المراد بالتخصيص عندهم بيان أن المراد بالعام* *بعض أفراده، لا فرق بين أن يكون البيان متصلا بالمبين أو منفصلاً عنه ما دام لم يتأخر عن وقت الحاجة إليه، فإذا تأخر كان نسخاً، ولا يكون حينئذ إلاَّكلاماً مستقلاً. أما الحنفية فإنهم يفرقون بين المتصل والمنفصل من الكلام المستقل، فيجعلون الأول مخصصاً ومبيناً، والثاني ناسخاً، لأن الشارع إذا أراد بالعام ـ من أول الأمر بعض أفراده قرنه بما يدل على مراده من المخصصات حتى لا يقع التجهيل الذي يتنزه الشارع الحكيم عنه، فإذا أورد العام من غير مخصص ومبين دل هذا على أن الشارع يريد جميع أفراده ابتداء. فإذا جاء بعد ذلك نص يخرج من العام بعض ما كان داخلاً فيه كان ناسخاً لا مخصصاً، فالخارج من العام بالتخصيص لم يدخل فيه ابتداء، والخارج منه بالنسخ دخل فيه ابتداء ثم أخرج. " انظر أصول التشريع ... ص ٢٤٤ "
وهذا التخصيص أو النسخ عند الحنفية لا يكون إلا إذا وصل الحديث عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى حد التواتر أو الشهرة: أما إن كان خبر واحد فلا يخصصه ولا ينسخه إلا إذا كان عام الكتاب قد خص قبل بقطعى حتى صار بذلك التخصيص ظنياً، ويرى الجمهور أن خبر الواحد يخص عام الكتاب " انظر أصول الفقه للخضرى ١٨٤ ".

<<  <   >  >>