ونسخ التلاوة يعنى أن آيات نزلت، ثم أمر الله تعالى برفعها، وقد أتى الله تعالى بمثلها أو بخير منها {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ... }" ١٠٦: البقرة " أي أن الشارع الحكيم هو الذي أمر بهذا الرفع. فهذا النسخ لو سلمنا بوجوده فإنه كما يقول أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور مصطفى زيد " لا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن في القرآن الكريم الذي تكفل الله ـ عزوجل ـ بحفظه من التغيير والتبديل، وهو الذي جمع بين دفتى المصحف، ولا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن كذلك في الوحى الذي تنزل به جبريل على قلب محمد، ما دام المرفوع منه قد رفع في عهد التنزيل، ولم ترفع منه كلمة واحدة بعد أن انتقل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَـ إلى الرفيق الأعلى. " النسخ في القرآن الكريم ١ / ٢٨٢: ٢٨٣ ".
فما بين الدفتين هو القرآن الكريم الذي أمرنا بتلاوته وتدبره، وتنفيذ أحكامه، بغير زيادة أو نقصان، فكيف يقال بأن النسخ تحريف؟
على أن الجعفرية الذين تصدوا لحركة التضليل في الماضى قائلون بهذا النسخ، بل مدافعون عنه، فكيف غاب هذا عن شيعة اليوم وهم يخلطون بين النسخ والتحريف ليصلوا إلى مأربهم!
ولنذكر مثلاً شيخ الطائفة الطوسى، قال في تفسيره التبيان " ١ / ١٣ ": " لا يخلو النسخ في القرآن الكريم من أقسام ثلاثة، أحدها: نسخ حكمه دون لفظه.. الثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمنه له منسوخة بلا خلاف وهى قوله (والشيخ والشيخة إذا زنيا) .. والثالث: ما نسخ لفظه وحكمه، وذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة أنه كان فيما أنزل الله عشر رضعات ".
وقال في موضع آخر " ١/ ٣٩٤ ": " وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم، وجاءت أخبار متظافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها ".