أعدائه والاستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم وأشهر من الإمامة، فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك، وعند الوقت الذى قدره تبارك وتعالى، فصدع بأمره وأظهر الدعوة لقومه، ثم بعد الإعلان بالرسالة، وإقامة الدلائل المعجزة والبراهين الواضحة اللازمة بها الحجة وبعد أن كذبته قريش وسائر الخلق من عرب وعجم، وما لقى من الشدة ولقيه أصحابه من المؤمنين، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، وأقام هو مع قومه حتى توفى أبو طالب فخاف على نفسه وبقية أصحابه، فأمره الله عند ذلك بالهجرة إلى المدينة، وأمره بالاختفاء في الغار والاستتار من العدو، فاستتر أياما، خائفا مطلوبا، حتى أذن الله له وأمره بالخروج، وكما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: اللهم إنك لا تخلى الأرض من حجة لك على خلقك ظاهراً معروفا، أو خافياً مغموداً كيلا تبطل حجتك وبيناتك.
وبذلك أمرنا، وبه جاءت الأخبار الصحيحة المشهورة عن الأئمة الماضين، وليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به، ويطلبوا إظهاره، فستره الله عليهم وغيبه عنهم وقال الله عز وجل لرسوله {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ... (الإسراء: ٣٦) ، فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك، إذ هو رضي الله عنه مغمود خائف مستور بستر الله تعالى، وليس علينا البحث عن أمره، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل، لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه رضي الله عنه ودماء شيعته وانتهاك حرمته، أعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفى ستر ذلك والسكون عنه حقنها وصيانتها وسلامة ديننا والانتهاء إلى أمر الله وأمر وأئمتنا وطاعتهم. وفقنا الله وجميع المؤمنين بطاعته ومرضاته بمنه ورأفته، ولا يجوز لنا ولا لأحد من المؤمنين أن يختار إماما برأيه ومعقوله واستدلاله، وكيف يجوز هذا وقد حظره الله جل وتعالى على رسله وأنبيائه وجميع خلقه، فقال في كتابه إذ لم يجعل الاختيار