للتشريع، فقولهم (سنة) لا حكاية السنة. وأما ما يجىء على لسانهم أحياناً من روايات وأحاديث عن نفس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهى إما لأجل نقل النص عنه كما يتفق في نقلهم لجوامع كلمه، وإما لأجل إقامة الحجة على الغير، وإما لغير ذلك من الدواعى.
وأما إثبات إمامتهم، وأن قولهم يجرى مجرى قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو بحث يتكفل به علم الكلام " (١) .
وما أظننا بحاجة إلى بيان أثر الإمامة هنا، فهى أوضح من أن يطال فيها الحديث، فجعلوا الإمام كالنبى المرسل: العصمة لهم جميعاً، والسنة قول المعصوم أو فعله أو تقريره يستوى في هذا أن يكون المعصوم هو الرسول الكريم وأن يكون أحد أئمة الجعفرية. ولذلك رأينا من قبل أنهم جعلوا للإمام ما للنبى المصطفى من بيان القرآن الكريم وتقييد مطلقة، وتخصيص عامة. ورأينا كذلك أن الإخباريين منعوا العمل بظاهر القرآن الكريم لأنهم لا يستمدون شريعتهم إلا مما ورد عن أئمتهم. وحتى يكون الإمام مصدراً للتشريع قائماً بذاته جعل له الإلهام مقابلاً للوحى بالنسبة للرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا العالم الجعفرى ـ مع شططه ـ يمثل جانب الاعتدال النسبى، فقد رأينا غيره يذهب إلى بقاء الوحى مع الأئمة وإن لم ينزل بقرآن جديد. وما ذكره هذا العالم لا يصح إلا بما أشار إليه في الفقرة الأخيرة من إثبات إمامة الأئمة، وأن قولهم يجرى مجرى قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ما أثبتنا خلافه في الجزء الأول.
(١) أصول الفقه لمحمد رضا المظفر ٣ /٥١ -٥٢. وانظر: الأصول العامة للفقه المقارن ص ١٢٢، واقرأ فيه كذلك: سنة أهل البيت ص ١٤٥ وما بعدها، وراجع تجريد الأصول ص ٤٧، وضياء الدراية ص ١٤.