ومما يبين ما جاء فى كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح البخارى ما رواه هو ومسلم وأحمد وغيرهم، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: أذكر الله امرأ سمع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الجنين شيئاً؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين جارتين لى، يعنى ضرتين، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغرة، فقال عمر: لو لم أسمع فيه لقضينا بغيره. وقال غيره: إن كدنا أن نقضى فى مثل هذا برأينا.
وروى الإمام الشافعى بسنده عن سعيد بن المسيب:" أن عمر بن الخطاب قضى فى الإبهام بخمس عشرة، وفى التى تليها بعشر، وفى الوسطى بعشر، وفى التى تلى الخنصر بتسع، وفى الخنصر بست ".
ثم قال الشافعى: لما كان معروفاً ـ والله أعلم ـ عند عمر أن النبى قضى فى اليد بخمسين، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع، نزلها منازلها، فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف، فهذا قياس على الخبر.
فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم، فيه: أن رسول الله قال: " وفى كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل "، صاروا إليه ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم ـ والله أعلم ـ حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله.
وفى الحديث دلالتان:
أحدهما: قبول الخبر والآخر: أن يقبل الخبر فى الوقت الذى يثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذى قبلوا.
ودلالة على أنه لو مضى أيضاً عمل من أحد من الأئمة، ثم وجد خبر عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف عمله، لترك عمله لخبر رسول الله.
ودلالة على أن حديث رسول الله يثبت بنفسه، لا بعمل غيره بعده.