للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا لم يثبت من طريق أهل السنة، ولو صح لأمكن الجمع بينه وبين هذه الأخبار بأن نقول: إن قوله " ليس بشيء " متعلق بالغسل لا بالوضوء، أي أنه لا يوجب الغسل، ففي رواية سهل بن حنيف السابقة " كنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله "، ووقع عند أبى داود والنسائى وابن خزيمة عن على بلفظ " كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهرى " (١) . وبهذا يكون الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد بين أن المذى لا يوجب الغسل، وهذا لا يتعارض مع وجوب الوضوء. ويؤيد ما ذهبت إليه ما رواه الشيعة عن على قال:

" إنى لمذاء، وما أزيد على الوضوء " (٢) .

فأما ما رواه الشيعة عن أئمتهم من أن المذى لا يوجب الوضوء، فيمكن حمله على ما ذهب إليه الإمام مالك حيث قال: " إذا كان ذلك منه من سلس من برد أو ما أشبه ذلك قد استنكحه ودام به فلا أرى عليه الوضوء. وإن كان ذلك من طول عزبة إذا تذكر فخرج منه، أو كان إنما يخرج المرة بعد المرة، فأرى أن ينصرف فيغسل ما به ويعيد الوضوء " (٣) .

ويؤيد هذا من طريق الشيعة ما روى عن محمد بن إسماعيل، عن أبى الحسن الرضا قال: سألته عن المذى فأمرنى بالوضوء منه، ثم أعدت عليه سنة أخرى، فأمرنى بالوضوء منه، وقال: إن علياً - عليه السلام - أمر المقداد أن يسأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستحيا أن يسأله، فقال: فيه الوضوء. قلت: وإن لم أتوضأ، قال لا بأس " (٤) .


(١) انظر: سبل السلام ١/٦٤.
(٢) وسائل الشيعة جـ ١ المستدرك ص ٢٦٥.
(٣) المدونة ١/١٠، وقد ذهب الإمام إلى ذلك لأنه لا يوجب الوضوء على أصحاب الأعذار، كالمستحاضة، والسلس البول.
(٤) الوسائل ١/٢٦٣، وانظر الاستبصار ص ٩٢ جـ ١.*
*وبهذه الرواية أيد السيد محسن الحكيم ـ مرجع الشيعة السابق بالعراق ـ ما ذهب إليه من حمل الروايات التى تذكر أن من المذى الوضوء على الاستحباب (انظر كتابه: مستمسك العروة الوثقى ٢/٢١٧-٢١٨) ولكنا وجدنا فيما سبق عدم جواز هذا الحمل، ثم إن هذه الرواية يمكن تخريجها كما نرى في التعقيب عليها.

<<  <   >  >>