للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثبت في الصحيحين (١٧٢٠) من رواية سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نَجِيح، عن عبد الله بن كثير، عن أبي المنهال، عن ابن عباس، قال: قدم النبي المدينة وهم يسلفون في الثمار [السنة و] [١] السنتين والثلاث، فقال رسول الله : "من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم".

وقوله: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة والحفظ، فإن قيل فقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله : "إنَّا أمة أمة لا نكتب ولا نحسب" (١٧٢١). فما الجمع بينه وبين الأمر بالكتابة؟ فالجواب: أن الدين من حيث هو غير مفتقر إلى كتابة أصلًا، لأن كتاب الله قد سهل الله ويسر حفظَهُ علي الناس، والسنن أيضًا محفوظة عن رسول الله ، والذي أمر الله بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس، فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب، كما ذهب إليه بعضهم.

قال ابن جريج: من ادان فليكتب ومن ابتاع فليُشْهِد.

وقال قتادة: ذكر لنا أن أبا سليمان المرعشي كان رجلًا صَحِبَ كعبًا، فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلمون مظلومًا دعا ربه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل باع بيعًا إلى أجل فلم يشهد ولم يكتب، فلما حل ماله جحده صاحبه، فدعا ربه فلم يستجب له، لأنه قد [٢] عصى ربه.

وقال أبو سعيد والشعبي، والربيع بن أنس، والحسن، وابن جريج، وابن زيد وغيرهم: كان ذلك واجبًا ثم نسخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ والدليل على ذلك أيضًا الحديث الذي حكي عن شرع من قبلنا مقررًا في شرعنا، ولم ينكر عدم الكتابة والإِشهاد.

قال الإِمام أحمد (١٧٢٢): حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، عن رسول الله أنه ذكر أن رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بشهداء


(١٧٢٠) - صحيح البخاري، كتاب السلم حديث (٢٢٤٠)، وصحيح مسلم، كتاب المساقاة (١٦٠٤).
(١٧٢١) - صحيح البخاري، كتاب الصوم حديث (١٩١٣)، وصحيح مسلم، كتاب الصيام (١٠٨٠).
(١٧٢٢) - المسند (٢/ ٣٤٨).