وقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: هذه نَسَخَتْ ما قبلها.
وقال الشعبي: إذا ائتمن بعضكم بعضًا فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا.
وقوله: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ يعني: المؤتمن، كما جاء في الحديث الذي رواه الإِمام أحمد (١٧٣٤) وأهل السنن من رواية قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله ﷺ قال:"على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه".
وقوله: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ أي: لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها. قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك. ولهذا قال: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ قال السدي: يعني فاجر قلبه. وهذه كقوله تعالى: ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَو الْوَالِدَينِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ وهكذا قال هاهنا: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض؛ وما فيهن وما بينهن، وأنه المطلع على ما فيهن، لا تخفى عليه الظواهر، ولا السرائر، والضمائر، وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾ وقال: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ والآيات في هذا [١] كثيرة جدًّا، وقد أخبر في هذه
(١٧٣٤) - المسند (٥/ ٨) (٢٠١٣٤)، و (٥/ ١٢) (٢٠١٧٩)، أخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب: في تضمين العارية (٣/ ٢٩٤ / رقم: ٣٥٦١). والترمذي في كتاب البيوع، باب: ما جاء في العارية مؤداة (٣/ ٥٥٧ / رقم: ١٢٦٦). وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الكبرى في كتاب العارية، باب: المنيحة (٣/ ٤١١ / رقم: ٥٧٨٣). وابن ماجة في كتاب الصدقات، باب: العارية (٢/ ٨٠٢ / رقم: ٢٤٠٠). كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة به.