للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبشرت من الوعد من الله؛ بإرسال محمَّد ، وإنزال القرآن العظيم عليه. وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ﴾ أي: على موسى بن عمران ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ أي: على عيسى ابن مريم ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا القرآنَ ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أي: في زمانهما ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحقُّ والباطل، والغي والرشاد؛ بما يذكره [١] الله الله تعالى من الحجج والبينات، والدلائل الواضحات، والبراهين القاطعات، ويبينه ويوضحه، ويفسره ويقرره، ويرشد إليه، وينبه عليه من ذلك.

وقال قتادة والربيع بن أنس: الفرقان ها هنا: القرآن. واختار ابن جرير (٢) أنَّه مصدر ها هنا؛ لتقدّم ذكر القرآن في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ﴾ وهو القرآن. وأمَّا ما رواه ابن أبي حاتم (٣) عن أبي صالح، أن المراد ها هنا بالفرقان: التوراة، فضعيف أيضًا؛ لتقدم ذكرها، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ أي: جحدوا بها وأنكروها وردّوها بالباطل ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي: يوم القيامة ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أي: منيع الجناب، عظيم السلطان ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ أي: ممن كذب بآياته [٢]، وخالف رسله الكرام، وأنبياءه العظام.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)

يخبر الله تعالى أنَّه يعلم غيب السموات والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيفَ يَشَاءُ﴾ أي: يخلقكم [كما يشاء في الأرحام]؛ من ذكر وأنثى، حسن وقبيح، وشقي وسعيد ﴿لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي: هو الذي خلق، وهو المستحق للإِلهية وحده لا شريك له، وله العزة التي لا ترام، والحكمة والأحكام.

وهذه الآية فيها تعريض، بل تصريح، بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق، كما خلق الله سائر البشر؛ لأنَّ الله صوره في الرحم، وخلقه كما [٣] يشاء، فكيف يكون إلهًا كما زعمته النصارى


(٢) - تفسير ابن جرير (٦/ ١٦٢ - ١٦٣ - شاكر).
(٣) - تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٣٧) رقم (٥١) من حديث علي بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي صالح، به. وعلي بن الحسين هو ابن الجنيد: ثقة، أو هو العامري: صدوق. وباقي رجال الإسناد ثقات.