يَنْظُرُونَ إلا تَأْويلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْويلُهُ﴾ أي: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف في الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية [١] إلا الله، ﷿، ويكون قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ مبتدأ و ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ خبره، وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر، وهو التفسير [والبيان، والتعبير] عن الشيء، كقوله: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْويلِهِ﴾ أي: بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ حال منهم، وساغ هذا، وهو أن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه، كقوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ إلى قوله ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا﴾ الآية، وكقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ أي: وجاءت الملائكة صَفوفًا صفوفًا.
وقوله إخبارًا عنهم أنهم يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ أي: بالمتشابه، ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ أي: الجميع، من المحكم والمتشابه، حق وصدق، وكل واحد منهم يصدق الآخر ويشهد له، لأن الجميع من عند الله، وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد [٢] لقوله [٣]: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾. [ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إلا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها، أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة][٤].
وقد قال ابن أبي حاتم (٢٦): حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا فياض الرقي، حدَّثنا عبد الله بن يزيد، وكان قد أدرك أصحاب النبي ﷺ: أنسًا، وأبا أمامة، وأبا الدرداء، ﵃، قال: حدثنا أبو الدرداء: أن رسول الله، ﷺ، سئل عن الراسخين في العلم، فقال:"من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن أعف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم".
(٢٦) - رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٧٢) رقم (١٢٦)، وعبد الله بن يزيد، قال ابن أبي حاتم: روى عن أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع حديث. . . . . ثم قال: لا أعرفه، وهذا حديث باطل. ونقل الذهبي عن أحمد: أحاديثه موضوعة، وقال الجوزجاني: أحاديثه منكرة. (الميزان ٢/ ٥٢٦). ورواه الطبري من حديث عبد الله بن يزيد، عن أبي الدرداء، وأبي أمامة (٦٦٣٧). ومن حديث أنس، وأبي أمامة، وأبي الدرداء (٦٦٣٨). وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء، وأبي أمامة، وواثلة وأنس. وقال الهيثمي: وعبد الله بن يزيد: ضعيف. مجمع الزوائد (٦/ ٣٢٤).