للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: "بلِّغوا عني ولو آية" (٦٣) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلَّغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنًا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال : "من كتب عني سوى القرآن فليمحه" (٦٤) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.

فلهذا نعلم بالضرورة أنَّه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول إليهم إلَّا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أَبو بكر وعمر، ، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف، لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله ، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده فكانت عنده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، لأنها كانت وصيته من أولاده على أوقافه وتركته وكانت عند أم المؤمنين ، حتَّى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

قال البخاري (٦٥)، : حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا إبراهيم، حدَّثنا ابن شهاب، أن أَنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف نسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزُّبَير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتَّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف


(٦٣) - رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل برقم (٣٤٦١)، رواه التِّرمِذي في أَبواب العلم، باب: ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (٢٦٦٩)، من حديث عبد الله بن عمرو، .
(٦٤) - رواه مسلم في صحيحه في الزهد والرقائق برقم ٧٢ - (٣٠٠٤)، والنَّسائي في الكبرى -كتاب فضائل القرآن، باب: كتابة القرآن رقم (٨٠٠٨) - (٥/ ١٠ - ١١). وأحمد (١١٠٩٩، ١١٠١، ١١١٧٢، ١١٣٦٠، ١١٤٤١، ١١٥٥٢) - (٣/ ١٢، ٢١، ٣٩، ٤٦، ٥٦) من طرق عن أبي سعيد به.
(٦٥) - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: جمع القرآن برقم (٤٩٨٧، ٤٩٨٨).