للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال ابن شهاب الزُّهْريّ: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها، والتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ﴾ (٦٦)، فألحقناها في سورتها في المصحف.

وهذا -أيضًا- من أكبر مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ، فإن الشيخين سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة؛ لئلا يختلفوا في القرآن، ووافقه على ذلك جميع الصحابة، وإنَّما روى عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أَنَّه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر آصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الإمام، ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتَّى قال علي بن أَبي طالب، : لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا (٦٧). فاتفق الأئمة أَبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي عنهم، على أن ذلك من مصالح الدين، وهم الخلفاء الذين قال رسود الله : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (٦٨). وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان، فإنه لما كان غازيا في فتح أرمينية وأذربيجان، وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراءات على حروف شتى، ورأى منهُم اختلافًا كثيرًا وافتراقًا، فلما رجع إلى عثمان أعلمه، وقال لعثمان: أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصاري.

وذلك أن اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم من الكتب، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان أيضًا، وليس في توراة السامرة حرف الهمزة ولا حرف الياء، والنصارى -أيضًا- بأيديهم توراة يسمونها العتيقة وهي مُخَالفَةُ لنسختي اليهود والسامرة، وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة: إنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل


(٦٦) -[الأحزاب: ٢٣].
(٦٧) - أخرجه أَبو عبيد في الفضائل، وابن أبي داود في المصاحف (١٢، ٢٣).
(٦٨) - صحيح، رواه أحمد في المسند ١٧١٩٢ - (٤/ ١٢٦) وبرقم (١٧١٩٤، ١٧١٩٥، ١٧١٩٦). وأخرجه أَبو داود في كتاب السنة، باب: في لزوم السنة حديث (٤٦٠٧) من طريق أحمد بن حنبل، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ثور بن يزيد، ثنا خالد بن معدان، ثنا عبد الرحمن به. والتِّرمِذي في كتاب الحلم، باب: الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، حديث (٢٦٧٨)، وابن ماجة في المقدمة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (١/ ١٦) حديث (٤٣)، (٤٤)، من طريق إسماعيل بن بشر بن منصور، ثنا عبد الرحمن بن مهدي به. والطبراني في الكبير (١٨/ ٢٤٦) حديث (٦١٧) - (٦٢١)، والدارمي (١/ ٤٣ - ٤٤)، وابن حبان (١٠٢)، وابن أبي عاصم (١/ ١٩)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود حديث (٣٨٥١)، وصحيح ابن ماجة (٤٢)، (١٤١١).