للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه] ﴿اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ أي: لك الملك كله ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ﴾ أي: أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن.

وفي هذه الآية [١] تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله وهذه الأمّة؛ لأن الله تعالى حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي [الأمى المكي]، خاتم الأنبياء على الإِطلاق، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإِنس والجن، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله، وخصه بخصائص لم يعطها نبيًّا من الأنبياء ولا رسولًا من الرسل، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له [٢] عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه، وشرعه على سائر الأديان والشرائع، فصلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ما تعاقب الليل والنهار، ولهذا قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾ الآية أي: أنت المتصرف في خلقك، الفعال لما تريد. كما رد على من يحكم [٣] عليه في أمره حيث قال: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ﴾ قال الله تعالى ردًّا عليهم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾، الآية أي [٤]: نحن نتصرف فيما [٥] خلقنا كما نريد بلا ممانع، ولا مدافع، ولنا الحكمة البالغة [٦] والحجة التامة [٧] في ذلك. وهكذا يعطي [٨] النبوة لمن يريد [٩]، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيثُ يَجْعَلُ رِسَالتَهُ [١٠]﴾ وقال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، الآية.

وقد روى الحافظ ابن عساكر (٨٠) في ترجمة إسحاق بن أحمد من تاريخه، عن المأمون الخليفة، أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبًا بالحميرية، فعرب له، فإذا هو بسم الله ما اختلف الليل والنهار، ولا دارت نجوم السماء في الفلك، إلا بنقل النعيم عن مَلِكٍ قد زال سلطانه إلى ملك. وملك ذي العرش دائم أبدًا ليس بفان ولا بمشترك.

وقوله تعالى: ﴿تُولِجُ [١١] اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ [١٢] النَّهَارَ فِي اللَّيلِ﴾ أي: تأخذ [١٣]


(٨٠) - في "تاريخ دمشق": (٢/ ٧٠٦ - مخطوط).