للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ولم تكتبوا بينها سطر ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا أنزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وحسبت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فوضعتها في السبع الطوال.

ففهم من هذا الحديث أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول ، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ؛ ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا مرتبًا آياته؛ فإن نكسه أخطأ خطأ كبيرًا. وأما ترتيب السور فمستحب اقتداء بعثمان، ، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متواليًا كما قرأ ، في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وتارة بسبح وهل أتاك حديث الغاشية، فإن فرق جاز، كما صح أن رسول الله قرأ في العيد بقاف واقتربت الساعة، رواه مسلم (٧١) عن أبي واقد، وفي الصحيحين (٧٢) عن أبي هريرة، ؛ أن رسول الله كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة: ﴿الم﴾ السجدة، و ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾.

وإن قدم بعض السور على بعض جاز أيضًا، فقد روى حذيفة أن رسول الله قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم (٧٣).

وقرأ عمر في الفجر بسورة النحل ثم بيوسف (٧٤).

ثم إن عثمان رد المصحف إلى حفصة، فلم يزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم

يطلبها فلم تعطه حتى ماتت، فأخذها من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف

المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق، مصحفًا إلى أهل مكة، ومصحفًا إلى البصرة،

وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وترك عند أهل المدينة


(٧١) - رواه مسلم في صلاة العيدين برقم ١٤ - (٨٩١).
(٧٢) - البخاري في كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة برقم (٨٩١)، ومسلم في كتاب الجمعة برقم ٦٥ - (٨٨٠).
(٧٣) - رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها برقم ٢٠٣ - (٧٧٢).
(٧٤) - رواه البخاري (٣٧٠٠)، وابن حبان (٦٩١٧ إحسان).