للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التِّرمِذي من الوجهين.

وفي الصحيحين عن عائشة، ، أنَّها قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة (١٧٢). وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز.

ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير، وأخبرها أنَّه يقرأ غير مؤلف، أي: غير مرتب السور. وكأن هذا قبل أن يبعث أمير المؤمنين عثمان، ، إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم، وقبل الإلزام به، والله أعلم.

ولهذا أخبرته: إنه لا يضرك بأي سورة بدأت، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنَّة والنار، وهذه إن لم تكن ﴿اقرأ﴾ فقد يحتمل أنَّها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولًا فأولا، وهذا من حكمة الله ورحمته، ومعنى هذا الكلام: أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنَّة والنار ليست البداءة بها في أوائل المصاحف، مع أنَّها من أول ما نزل، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف، وقد نزلت عليه في المدينة وأنا عنده.

فأما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله ، كما تقدم تقرير ذلك؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك، بل أخرجت له مصحفها، فأملت عليه أي السور، والله أعلم. وقول عائشة: لا يضرك بأي سورة بدأت، يدل على أنَّه لو قدم بعض السور أو أخر، كما دل عليه حديث حذيفة وابن مسعود، وهو في الصحيح أنَّه، ، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران (١٧٣).

وقد حكى القرطبي عن أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات (١٧٤)، وكان مستنده اتِّباع


= كتاب الزينة، باب: الأمر بلبس الثياب البيض (رقم: ٩٦٤٢، ٩٦٤٣، ٩٦٤٤) (٥/ ٤٧٧)، وابن ماجة في كتاب اللباس، باب: البياض من الثياب (رقم: ٣٥٦٧).
وحديث ابن عبَّاس في المسند (١/ ٢٣١، ٢٤٧)، ورواه أبو داود في كتاب الطب، باب: الأمر بالكحل برقم (٣٨٧٨)، والتِّرمِذي في الجنائز، باب: ما يستحب من الأكفان برقم (٩٩٤)، وابن ماجة في الجنائز، باب: ما جاء فيما يستحب من الكفن برقم (١٤٧٢).
(١٧٢) - البخاري في الجنائز، باب الثياب البيض للكفن برقم (١٢٦٤)، ومسلم في الجنائز برقم ٤٥ (٩٤١).
(١٧٣) - رواه مسلم في صحيحه برقم (٧٧٢) وقد تقدم.
(١٧٤) - تفسير القرطبي (١/ ٦٠).