للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصحف عثمان، ، فإنه مرتب على هذا النحو المشهور، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي عثمان ، وذلك ظاهر في سؤال ابن عباس له عن ترك البسملة في أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، والحديث في التِّرمِذي وغيره بإسناد جيد وقوي. وقد ذكرنا عن علي أنَّه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله.

ولهذا حكى القاضي الباقلاني: أن أول مصحفه كان: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْأَكْرَمُ﴾ وأول مصحف ابن مسعود: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ثم البقرة، ثم النساء على ترتيب مختلف، وأول مصحف أبيّ: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم المائدة، ثم كذا على اختلاف شديد، ثم قال القاضي: ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة، ، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة براءة قال: فأما ترتيب الآيات والبسملة فِي الأوائل فهو من النبي .

وقال ابن وَهْب في جامعه: سمعت سليمان بن بلال يقول: سئل ربيعة: لم قدمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة؟ فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه، وقد أجمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه. قال ابن وَهْب: وسمعت مالك يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي (١٧٥).

قال أَبو الحسن بن بطَّال: إنما يجب تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدًا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراء القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل الكهف، إلا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

قال: وأما ما رُوي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسًا. وقالا: إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسةً فيبتدأ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محظور.

ثم قال البخاري: حدَّثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادى (١٧٦).


(١٧٥) - ذكره القرطبي في تفسيره (١/ ٥٩، ٦٠).
(١٧٦) - رواه البخاري في فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن برقم (٤٩٩٤).