للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والله أعلم بالصواب.

وقوله تعالى: ﴿ذلك لمن خشي العنت منكم﴾ أي: إنما يباح نكاح الإِماء بالشروط المتقدّمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله فله حينئذ أن يتزوّج بالأمة، وإن ترك [تزوج الأمة] [١] وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له؛ لأنه إذا تزوّجها جاء أولاده [أرقاء لسيدها، إلا أن يكون الزوج عربيًا، فلا تكون أولاده منها] [٢] أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال: ﴿وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم﴾.

ومن هذه الآية الكريمة استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لابد من عدم الطول لنكاح الحرائر، ومن خوف العنت؛ لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن. وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوّجا بحرّة جاز له [نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضًا] [٣]، سواء كان واجدا الطول لحرّة أم لا، وسواء خاف العنت أم لا. وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى: ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ أي: العفائف، وهو يعم الحرائر والإِماء وهذه الآية عامّة، وهذه أيضًا ظاهرة في الدلالة في ما قاله الجمهور، والله أعلم.

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)

يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما [٤] أحل لكم وحرم عليكم، مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها ﴿ويهديكم سنن الذين من قبلكم﴾ يعني: طرائقهم الحميدة، واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها ﴿ويتوب عليكم﴾ [أي: من الإثم والمحارم] [٥] [﴿والله عليم حكيم﴾ أي: في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله، وقوله] [٦]: ﴿ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما﴾ أي: يريد


[١]- ما بين المعكوفتين في ت: "تزوجها".
[٢]- ما بين المعكوفتين من: خ.
[٣]- ما بين المعكوفتين جاءت هذه الفقرة في: خ. بعد قوله: "لحرة أم لا".
[٤]- في خ: "فيما".
[٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.
[٦]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.