للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينهى الله عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، حتى قال ابن جرير (٢٧٠): حدثني ابن المثنى، حَدَّثَنَا عبد الوهاب، حَدَّثَنَا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما. قال: هو الذي قال الله- ﷿ فيه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾.

وقال ابن أبي حاتم (٢٧١): حَدَّثَنَا علي بن حرب الموصلي، حدَّثنا ابن فضيل، عن داود الأودي، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، في الآية قال: إنها محكمة، ما نسخت، ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس لما أنزل الله ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكوا أموالكم بينكم بالباطل﴾ قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالنا، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكيف للناس؟ فأنزل الله بعد ذلك: ﴿ليس على الأعمى حرج﴾ الآية.

[وكذا قال قتادة] [١]. وقوله تعالى: ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾ قرئ تجارة بالرفع وبالنصب وهو استثناء منقطع، كأنه يقول لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، كما قال تعالى: ﴿ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق﴾ وكقوله: ﴿لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى﴾.

ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول؛ لأنه يدل على التراضي نصًّا، بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا ولابد. وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم [٢] فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي، وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعًا، فصححوا بيع المعاطاة [مطلقًا، ومنهم من قال:


(٢٧٠) - في تفسيره (٨/ ٢١٧) (٩١٤٢).
(٢٧١) - في تفسيره (٣/ ٩٢٦) (٥١٧٨).