للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ "من" [في هذا] [١] لبيان الجنس، كقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾.

وقوله: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ أي: [يتأولون الكلام] [٢] على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله ﷿؛ قصدًا منهم وافتراء ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ أي: يقولون: سمعنا ما قلته يا محمد، ولا نطيعك فيه. هكذا فسره مجاهد وابن زيد، وهو المراد، وهذا أبلغ في [كفرهم وعنادهم] [٣]، و [٤] أنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة.

وقولهم: ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ أي: اسمع ما نقول لا سمعت. رواه الضحاك عن ابن عباس (٥١١).

وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك.

قال ابن جرير: والأوّل أصح. وهو كما قال. وهذا استهزاء منهم واستهتار عليهم لعنة الله.

﴿وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ﴾ أي: يوهمون أنهم يقولون: راعنا سمعك بقولهم: راعنا وإنما يريدون الرعونة [بسبهم النبي] [٥]، وقد تقدم الكلام في هذا عند قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾.

ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه ليًّا بألسنتهم وطعنا في الدين، يعني بسبهم النبي .

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ أي: قلوبهم مطرودة عن الخير، مبعدة منه، فلا يدخلها من الإِيمان شيء نافع لهم. [وقد تقدم الكلام على] [٦] قوله تعالى: ﴿فَقَلِيلًا مَا


(٥١١) - أخرجه ابن جرير (٨/ ٩٦٩٨) وابن أبى حاتم (٣/ ٥٣٩٣) وزاد نسبته السيوطى فى "الدر المنثور" (٢/ ٣٠٠) إلى الطبرانى.