فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرفهم بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك ﴿ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ أي: يعتذرون إليك ويحلفون: ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى أعدائك [١] إلا الإِحسان والتوفيق، أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقادًا منا صحة تلك الحكومة، كما أخبرَ تعالى عنهم في قوله: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ [إلى قوله][٢]: ﴿فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.
وقد قال الطبراني (٥٨٥): حدثنا أبو زيد أحمد بن يزيد الحوطي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا صفوان بن عمرو [٣]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾.
ثم قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم][٤]، وسيجزيهم على ذلك؛ فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي: لا تعنفهم على ما في قلوبهم ﴿وَعِظْهُمْ﴾ اي: وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ أي: وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.