للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)

يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ﴾ أي: فرضت طاعته على من أرسله اليهم. وقوله: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قال مجاهد: أي: لا يطيع أحد الا بإذني، يعني: لا يطيعهم الا من وفقته لذلك. كقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ أي: عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم.

وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ الآية [١] يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقعٍ منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول فيستغفروا اللَّه عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب اللَّه عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: ﴿لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾. وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالسًا عند قبر النبي ، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهنّ القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه … فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي فى النوم فقال: "يا عُتَبِى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له".

وقوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول فى جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له [باطنا وظاهر] [٢]. ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أي: إذا حكموك يطعونك في بواطنهم، فلا يجدون [٣] في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون [٤] له في الظاهر


[١]- بعده فى خ: "وقد ذكر جماعة".
[٢]- في ز: "ظاهرا وباطنا".
[٣]- في ز: "يجدوا".
[٤]- في ز: "ينقادوا".