للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الرحمن، من غير ذكر سعد بن عبيدة (٢٧٧)، كما رواه شعبة ولم يختلف عليه فيه، وهذا المقام مما حكم لسفيان الثوري فيه على شعبة، وخطأ بُنْدَار يحيى بن سعيد في روايته ذلك عن سفيان، عن علقمة، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن وقال: رواه الجماعة من أصحاب سفيان عنه، بإسقاط سعد بن عبيدة، ورواية سفيان أصحُّ في هذا المقام المتعلق بصناعة الإسناد، وفي ذكره طول لولا الملالة لذكرناه، وفيما ذكر كفاية وإرشاد إلى ما ترك، والله أعلم.

والغرض أنه، ، قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" وهذه من صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمل في أنفسهم، المكملون لغيرهم، وذلك جمع النفع القاصر والمتعدي، وهذا بخلاف صفة الكفار الجبارين الذين لا ينفعون، ولا يتركون أحدا ممن أمكنهم أن ينتفع، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ (٢٧٨)، وكما قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ (٢٧٩)، في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضًا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: ﴿مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ (٢٨٠)، فهذا شأن الكفار، كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكمل في نفسه وأن يسعى في تكميل غيره كما قال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، وكما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (٢٨١)، فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله تعالى من تعليم القرآن والحديث والفقه وغير ذلك، مما يُبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحًا، وقال قولًا صالحًا أيضًا، فلا أحد أحسن حالًا من هذا. وقد كان أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي -أحد أئمة الإِسلام ومشايخهم- ممن رغب في هذا المقام، فقعد يعلم الناس من إمارة عثمان إلى أيام الحجاج قالوا: وكان مقدار ذلك الذي مكث فيه يعلم القرآن سبعين سنة، ، وآتاه الله ما طلبه ودامه. آمين.

قال البخاري : حدثنا عمرو بن عون، حدثنا حماد، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أتت النبي امرأة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ورسوله، فقال: "ما لي في النساء من حاجة". فقال رجل: زوّجنيها، قال: "أعطها ثوبًا"، قال: لا أجد، قال: "أعطها ولو خاتما من حديد"، فاعتل له، فقال: "ما معك من القرآن؟ ". قال: كذا وكذا. فقال: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" (٢٨٢).


(٢٧٧) - الترمذي في فضائل القرآن من صحيحه برقم (٢٩٠٨)، والنسائي في الكبرى برقم (٨٠٣٨)، وابن ماجة برقم (٣١٢).
(٢٧٨) -[النحل: ٨٨].
(٢٧٩) -[الأنعام: ٢٦].
(٢٨٠) -[الأنعام: ١٥٧].
(٢٨١) -[فصلت: ٣٣].
(٢٨٢) - البخاري في فضائل القرآن من صحيحه، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه برقم (٥٠٢٩).