عبد الرحمن [١] ابن مهدي، حدّثنا حماد بن زيد، عن هشام قال: قرأ الحسن ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك، وما الدُّنيا كلها أودها وآخرها إلا كرجل نام نومة [٢] فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه.
وقال ابن معين: كان أبو مُشهر ينشد:
ولا خيرَ في الدُّنيا لمن لم يكن له … منَ الله في دار المقام نصيبُ
فإنْ تُعجِبِ الدُّنيا رجالاً فإنها … متاعٌ قليل والزَّوال قريب
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ [٣] الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ أي: أنتم صائرون إليَّ الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحد منكم، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾، وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ والمقصود، أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه من ذلك شيء، [وسواء عليه][٤] جاهد أو لم يجاهد؛ فإن له أجلًا محتومًا، وأمداً [٥] مقسومًا، كما قال خالد بن الوليد حين جاءه الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفًا، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء.
وقوله: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ أي: حصينة منيعة عالية رفيعة. وقيل: هي بروج في السماء. قاله السدي، وهو ضعيف، والصحيح أنها المنيعة، أي: لا يغني حذر وتحصن من الموت، كما قال [زهير بن أبي سلمى][٦]:
ومَنْ هاب [٧] أسبابَ المنية يَلْقَها … ولو رام أسبابَ السماء بسُلَّمِ
ثم قيل [٨]: المشيدة هي المشيدة، كما قال ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ وقيل: بل بينهما فرق، وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطوّلة، وبالتخفيف هي المزينة بالشيد، وهو الجص.
وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم (٦٢٣) ها هنا حكاية مطوّلة عن مجاهد أنَّه ذكر أن امرأة فيمن
(٦٢٣) - تفسير ابن جرير (٨/ ٩٩٥٨) - ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٨٨، ٢٨٩) - حدثني =