قال هؤلاء: وقد كانت صلاة الخوف مشروعة في الخندق؛ لأن غزوة [١] ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي، و [٢] ممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة، والواقدي، ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن خياط، وغيرهم، وقال البخاري (٧٦٨) وغيره: كانت ذات الرقاع بعد الخندق، لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر [٣]، والله أعلم.
والعجب كل العجب أن المزني، وأبا يوسف القاضي، وإبراهيم بن إسماعيل بن علية ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره، ﵊، الصلاة يوم الخندق، وهذا غريب جدًّا، وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف، وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب، والله أعلم.
فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ﴾ أي: إذا صليت بهم إمامًا في صلاة الخوف، وهذه حالة غير الأولى، فإن تلك قصرها إلى ركعة، كما دل عليه الحديث - فرادي ورجالًا وركبانًا، مستقبلي القبلة: غير مستقبليها، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد. وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة لما [٤] ساغ [٥] ذلك، وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبيِّ، ﷺ، لقوله: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ فبعده تفوت هذه الصفة [٦]- فإنه استدلال ضعيف، ووود عليه مثل قول مانعي [٧] الزكاة، الذين احتجوا بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ قالوا: فنحن لا ندفع زكاتنا [بعد رسول الله][٨]، ﷺ، إلى أحد، بل نخرجها نحن بأيدينا [٩] على من نراه، ولا ندفعها [إِلا][١٠]، إلى من صلاته - أي: دعاؤه - سكن لنا، ومع هذا ردّ عليهم الصحابة، وأبَوْا عليهم هذا الاستدلال، وأجبروهم على أداء
= (٧٦٨) - انظر صحيح البخاري، كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع (٧/ ٤١٦).