للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير.

منها ما روي عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.

وعن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبُّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا هو التكلف يا عمر.

وعلّق على هاتين الروايتين فقال: وهذا كله محمول على أنهما إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتًا من الأرض ظاهر لا يجهل.

أما رواية ابن أبي مليكة فقد قال فيها: سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة؟ فقال له ابن عباس: فما يوم ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ فقال له الرجل: إنما سألتك لتحدثني. فقال ابن عباس: هما يومان ذكر الله في كتابه، الله أعلم بهما. فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.

وقال مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنا لا نقول في القرآن شيئًا.

وذكر عنه أيضًا أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن. وسئل ابن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيء. يعني عكرمة.

وعن عبد الله بن عمر العمري قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن السيب، ونافع.

ويعلق ابن كثير على هذه الآثار فيقول: فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فأما من تكلم بما يسلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه.

ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة، لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ ولا جاء في الحديث الذي روي من طرق:

<<  <  ج: ص:  >  >>