"من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".
وذكر ابن كثير عن الطبري رواية من طريق جعفر بن محمد الزبيري، عن عائشة ﵂ قالت: ما كان النبي ﷺ يفسر شيئًا من القرآن إلا آيات بعدد، علمهن إياه جبريل ﵇.
قال ابن كثير: وتكلم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى مما وقفه عليها جبرائيل.
وهذه عبارة الطبري من تفسيره: "أما الخبر الذي روي عن رسول الله ﷺ أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئًا إلا آيات تعد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول ﷺ، وذلك بتفصيل مجمل ما في آية، من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وللعباد إلى تفسيره الحاجة. لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله ﷺ، وما أشبه ذلك مما تحويه آي القرآن من سائر حكمه الذي جعل بيانه لخلقه إلى رسول الله ﷺ، فلا يعلم أحد من خلق الله تأويل ذلك إلا ببيان رسول الله ﷺ، ولا يعلمه رسول الله ﷺ إلا بتعليم الله إياه ذلك بوحيه إليه، إما مع جبريل أو مع من شاء من رسله إليه، فذلك هو الآي التي كان رسول الله ﷺ يفسرها لأصحابه بتعليم جبريل إياه، وهن لا شك آي ذوات عدد. ومن آي القرآن ما قد ذكر أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تاويله فلم يطلع على علمه ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا، ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده وأنه لا يعلم تأويله إلا الله، فأما ما لا بد للعباد من تأويله ببيان الله ذلك له، بوحيه مع جبريل، فذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم؛ فقال جل ذكره: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله ﷺ أنه كان لا يفسر من القرآن شيئًا إلا آيًا تعد هو ما يسبق إليه أوهام أهل البدع من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه؛ كأنه إنما أنزل إليه ﷺ الذكر ليترك للناس ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أنزل. وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه ﷺ ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه ما أنزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي ﷺ قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود لقوله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن-: ما ينبيء عن خطأ من ظن أو توهم أن معنى الخبر