وكذا رواه مسلم عن داود بن رشيد، عن الوليد، عن ابن جابر، به. ومن وجه آخر عن الأوزاعي به، فقوله في الآية والحديث:"وروح منه"، كقوله: ﴿وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه﴾ أي: من خلقه ومن عنده، وليست (من) للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن اللَّه المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى.
وقد قال مجاهد في قوله: ﴿وروح منه﴾ أي: ورسول منه. وقال غيره: ومحبة منه. والأظهر الأوّل، وهو [١] أنه مخلوق من روح مخلوفة، وأضيفت الروح إلى اللَّه على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى اللَّه في قوله: ﴿هذه ناقة اللَّه﴾ وفي قوله: ﴿وطهر بيتي للطائفين﴾ وكما ورد في الحديث الصحيح: "فأدخل على ربي في داره"، أضافها إليه إضافة تشريف لها، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد.
وقوله: ﴿فآمنوا باللَّه ورسله [٢]﴾ أي: فصدقوا بأن اللَّه واحد أحد لا صاحبة [٣] له ولا ولد [٤]، واعلموا وتيقنوا بأن عيسى عبد اللَّه ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ولا تقولوا ثلاثة﴾ أي: لا تجعلوا عيسى وأمه مع اللَّه شريكين، تعالى اللَّه عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وهذه الآية والتي تأتى [٥] في سورة المائدة حيث يقول تعالى: ﴿لقد كفر الذين قالوا إن اللَّه ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد﴾ وكما قال في آخر السورة المذكورة: ﴿وإذ قال اللَّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللَّه قال سبحانك﴾ الآية، وقال في أولها: ﴿لقد كفر الذين قالوا إن اللَّه هو المسيح ابن مريم﴾ الآية.
فالنصارى [٦] عليهم لعنة [٧] اللَّه من جهلهم ليس لهم ضابط ولا لكفرهم حد، بل أقوالهم وضلالهم منتشر، فمنهم من يعتقده [٨] إلهًا، ومنهم من يعتقده شريكًا، ومنهم من يعتقده ولدًا، وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة، وأقوال غير مؤتلفة، ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال: لو اجتمع عشرة من النصارى لافترقوا على [٩] أحد عشر قولًا، ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير عندهم وهو سعيد بن بطريق بطرق [١٠] الإسكندرية في حدود
= (٥/ ٣١٣، ٣١٤) من طريق عمير بن هانئ قال حدثنى جنادة بن أبى أمية به.