وروي عن عبد الله بن مسعود وعروة وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد؛ وإِبراهيم والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان والزهري وإِبراهيم التيمي - نحو ذلك.
وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل كما قاله السلف، ومن هاهنا ذهب من ذهب إِلى وجوب الترتيب [في الوضوء][١]، كما هو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة، حيث لم يشترط الترتيب، بل لو غسل قدميه، ثم مسح رأسه، وغسل يديه، ثم وجهه أجزأه ذلك؛ لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء، والواو لا تدل على الترتيب. وقد سلك الجمهور في الجواب عن هذا البحث طرقًا.
فمنهم من قال: الآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء عند القيام إِلى الصلاة، لأول مأمور به بفاء التعقيب، وهي مقتضية للترتيب، ولم يقل أحد من الناس بوجوب غسل الوجه أولاً، ثم لا يجب الترتيب بعده، بل القائل اثنان: أحدهما يوجب الترتيب، كما هو واقع في الآية، والآخر يقول: لا يجب الترتيب مطلقًا، والآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء، فوجب الترتيب فيما بعده بالإِجماع و [٢]، حيث [٣] لا فارق.
ومنهم من قال: لا نسلم أن الواو لا تدل على الترتيب، بل هي دالة كما هو مذهب طائفة من النحاة، وأهل اللغة، وبعض الفقهاء، ثم يقول بتقدير تسليم [٤] كونها لا تدل على الترتيب اللغوي، هي دالة على الترتيب شرعًا، فيما من شأنه أن يرتب، والدليل على ذلك أنه ﷺ لما طاف بالبيت؛ خرج من باب الصفا، وهو يتلو قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ثم قال: " أبدأ بما بدأ الله به". لفظ مسلم، ولفظ النسائي:"ابدءوا بما بدأ الله به". وهذا لفظ أمر، وإِسناده صحيح (٢٠٧)، فدل على وجوب البداءة بما بدأ اللَّه به، وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعًا، والله أعلم.
(٢٠٧) - هو جزء من حديث جابر الطويل فى صفة حجته ﷺ رواه مسلم فى صحيحه فى كتاب الحج، باب حجة النبى ﷺ، الحديث (١٢١٨) هن طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. وقد جمع العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى - حفظه الله - طرق هذا الحديث فى رسالة مفردة وهى مطبوعة، وذكر متن الحديث بزياداته فى الإرواء رقم (١٠١٧) وأما الرواية الثانية التى ذكرها الحافظ ابن كثير هنا "ابدءوا بما بدأ الله به" فأخرجها أحمد فى مسنده (٣/ ٣٩٤) من طريق سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، ورواه الدارقطنى (٢/ ٢٥٤) (٧٩)، والبيهقى (١/ ٨٥) من طريق سفيان الثورى عن جعفر به. وعزاه المصنف هنا للنسائى، وكذا النووى فى شرح مسلم (٨/ ٢٤٥) والزيلعى فى نصب الراية (٣/ ٥٤)، وغيرهم هن الحفاظ، ولم أقف عليه فى سننه الصغرى،=