وإما أن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي".
وفي رواية للإمام أحمد، عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه هن بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ﷺ قال: فغضب وقال: "أمتهوِّكون فيها يا بن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني".
وقد قسم ابن كثير الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام فقال:
أحدها: ما علمنا صحته بما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، ويجوز حكايته.
ويتحدث عن القسم الثالث في موضع آخر فيقول: ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله ﵇: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله: "فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم".
ويستطرد في شرح هذا القسم فيقول: وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني. ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرًا، ويأتي من المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وعصا موسى من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهم الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم.
ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إلا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى حكى منهم ثلاثة أقوال، ضغف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته، إذ لو كان باطلًا لردّه كما ردّهما، ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته. فقال في مثل هذا: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ