بِعِدَّتِهِمْ﴾ بأنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه، فلهذا قال: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب، فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها، وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فتشتغل به عن الأهم فالأهم.
فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا، فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلًا فقد أخطأ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقولًا متعددة لفظًا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنًى، فقد ضيع الزمان، وتكثر مما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب.
ونخرج من هذا النص بما يلي:
١ - أن ما أخذ عن أهل الكتاب مما هو مسكوت عنه تجوز روايته.
٢ - أن هذا المروي لا فائدة فيه.
٣ - كثرة الخلاف في هذه المرويات.
٤ - وجوب استيعاب الأقوال في حكاية الخلاف والتنبيه على الصحيح والباطل وذكر فائدة وثمرة الخلاف.
٥ - عدم إثارة الخلاف فيما لا طائل تحته حتى لا يتشعب الخلاف ويضيع الزمان.
ويؤكد ابن كثير حرصه على الإعراض على كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من ضياع الوقت، وما اشتملت عليه من كذب فاضح فيقول في تفسير قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ آتَينَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾:
وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب، وهو رضيع، وأنه خرج بعد أيام، فنظر إلى الكواكب والمخلوقات، فتبصر فيها، وما قصد كثير من المفسرين وغيرهم، فعامتها أحاديث بني إسرائيل، فما وافق منها الحق مما بأيدينا عن المعصوم قبلناه لموافقته الصحيح، وما خالف شيئًا من ذلك رددناه، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة لا نصدقه ولا نكذبه، بل نجعله وقفًا، وما كان من هذا الضرب