هَذَا﴾ أي: الجلد والتحميم ﴿فَخُذُوهُ﴾ أي: اقبلوه ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ أي: من قبوله واتباعه. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أي: الباطل ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أي: الحرام وهو الرشوة، كما قاله ابن مسعود (٤٥٤) وغير واحد، أي: ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه، وأنى يستجيب له.
ثم قال لنبيه: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ﴾ أي: يتحاكمون إليك ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ أي: فلا عليك أن لا تحكم بينهم؛ لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل ما وافق أهواءهم [١]. قال ابن عبَّاس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وقَتَادة، والسدي، وزيد بي أسلم، [وعطاء][٢] الخراساني: هي منسوخة بقوله: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾. أي: بالحق والعدل، وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
ثم قال تعالى منكرًا عليهم في آرائهم الفاسدة، ومقاصدهم الزائغة، في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنَّهم مأمورون بالتمسك به أبدًا، ثم خرجوا عن حكمه، وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه، وعدم لزومه لهم فقال: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾.
ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ أي: لا يخرجون عن حكمها، ولا يبدلونها، ولا يحرِّفونها، ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ أي: وكذلك الربانيون [][٣] وهم
(٤٥٤) - رواه ابن جرير فى تفسيره (١١٩٤٧)، (١١٩٤٩)، (١١٩٥١)، (١١٩٥٨) من طريق سالم ابن أبي الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود وللأثر طرق أخرى عن ابن مسعود عند ابن جرير، وذكره السيوطى فى الدر المنثور (٢/ ٥٠٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق، والفريابى وعبد بن حميد وأبن أبي حاتم وهو عند ابن أبي حاتم فى التفسير (٤/ ١١٤٣) (٦٣٨٢) من طريق عبيد الله بن أبي الجعد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقًّا فأهدى له هدية فقبلها فذلك السحت. فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة فى الحكم فقال عبد الله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.