للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسِ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ أي: بل [١]. هو الواسع الفضل الجزيل العطاء، الذي ما من شيء إلَّا عنده خزائنه، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه، في ليلنا ونهارنا، وحضرنا وسفرنا، وفي جميع أحوالنا، كما قال: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ والآيات في هذا كثيرة. وقد قال الإِمام أحمد ابن حنبل (٥٦٤):

حدَّثنا عبد الرزاق، حدَّثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدَّثنا أَبو هريرة قال: قال رسول الله : "إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، بينه لم يغض ما في يمينه - قال - وعرشه على الماء، وفي يده الأخرى - الفيض [٢] يرفع ويخفض - قال -: وقال الله تعالى: أنفق أنفق عليك" أخرجاه في الصحيحين: البخاري في التوحيد عن علي بن المديني ومسلم فيه عن محمد بن رافع، و [٣] كلاهما عن عبد الرزاق به.

وقوله تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ أي: يكون ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم، فكما يزداد به المؤمنون تصديقًا وعملا صالحا وعلمًا نافعًا، يزداد به الكافرون [٤] الحاسدون لك ولأمتك ﴿طُغْيَانًا﴾ وهو المبالغة والمجاوزة للحدِّ في الأشياء ﴿وَكُفْرًا﴾ أي: تكذيبًا، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾.


= قلت: بل في إسناده محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، قال ابن جرير في التقريب: مجهول من السادسة، تفرد عنه ابن إسحاق.
والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٢٥) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(٥٦٤) - رواه في مسنده (٢/ ٣١٣، ٣١٤) ورواه البخاري في كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء، وهو رب العرش العظيم" حديث (٧٤١٩) ومسلم في الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، حدث (٣٧/ ٩٩٣) من طريق عبد الرزاق به.