للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن سعد، أن زيد بن أسلم حدثه: أن عبد الله بن رواحة ضافه [١] ضيف [٢] من أهله وهو عند النبي ، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو عليَّ حرام. فقالت امرأته: هو عليَّ حرام. وقال الضيف: هو عليَّ حرام. فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم الله. ثم ذهب إلى النبي فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾. وهذا أثر منقطع.

وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا، وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره: إلى أن من حرم مأكلًا أو ملبسًا أو شيئًا ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه، ولا كفارة عليه أيضًا، ولقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾، ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما فى الحديث المتقدم لم يأمره النبى بكفارة، وذهب آخرون منهم الإِمام أحمد بن حنبل: إلى أن من حرم مأكلاً أو مشربًا [أو ملبسًا] [٣] أو شيئًا من الأشياء فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين، كما إذا التزم تركه باليمين، فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزامًا له بما التزمه، كما أفتى بذلك ابن عباس، وكما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ثم قال: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ الآية. وكذلك هاهنا [٤] لما ذكر هذا الحكم عقبه بالآية المبينة لتكفير اليمين، فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين فى اقتضاء التكفير، والله أعلم.

وقال ابن جرير (٦٣٤): حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو، أن يتبتلوا، ويخصوا أنفسهم، ويلبسوا المسوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾. قال ابن جريج، عن عكرمة: إن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالماً مولى أبي حذيفة في أصحاب تبتلوا، فجلسوا في البيوت،


= (١٠/ ٥١٩، ٥٢٠) (١٢٣٤٩) قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى فذكره. وهو مرسل فإن زيد بن أسلم لم يلق ابن رواحة ولا شهد القصة فإنه من الطبقة الثالثة من رجال التقريب.
(٦٣٤) - تفسير الطبري (١٠/ ٥١٩) (١٢٣٤٨) وذكر السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٤٦) قول مجاهد وزاد نسبته لأبي الشيخ. ثم ذكر قول عكرمة وزاد نسبته لابن المنذر وأبي الشيخ.