واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات [١] الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالإِخصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت [هذه الآية][٢]: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الإِخصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم [٣] رسول الله ﷺ، فقال:"إن لأنفسكم حقًّا وإن لأعينكم حقًّا، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس هنا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين، كما تقدم ذلك ولله الحمد والمنة (٦٣٥).
وقال أسباط: عن السدّي في قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾: وذلك أن رسول الله ﷺ جلس يومًا فذكر الناس، ثم قام ولم يزدهم على التخويف، فقال ناس من أصحاب النبي ﷺ كانوا عشرة، منهم: على بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون -: ما حقنا إن لم نحدث عملًا، فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم. فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك وأن يأكل بالنهار، وحرم بعضهم النوم، وحرم بعضهم النساء، فكان عثمان ابن مظعون ممن حرم النساء؛ فكان [٤] لا يدنو من أهله ولا تدنو منه، فأتت امرأته عائشة ﵂ وكان يقال لها: الحولاء، فقالت لها [٥] عائشة ومن عندها من أزواج النبي ﷺ: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون، لا تمتشطين ولا تتطبين؟ فقالت: وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع على زوجي وما رفع عني [٦] ثوبًا منذ كذا وكذا! قال: فجعلن يضحكن من كلامها، فدخل رسول الله ﷺ وهن يضحكن، فقال:"ما يضحككن؟ ". قالت: يا رسول الله، إن الحولاء سألتها [٧] عن أمرها، فقالت: ما رفع عني زوجي ثوبا منذ كذا وكذا. فأرسل إليه فدعاه، فقال: "ما لك يا