عثمان؟ " قال: إني تركته لله، لكي أتخلى للعبادة. وقص عليه أمره، وكان عثمان قد [١] أراد أن يجب نفسه، فقال رسول الله ﷺ: "أقسمت عليك [٢] إلا رجعت فواقعت أهلك". فقال: يا رسول الله، إني صائم. فقال: "أفطر". فأفطر وأتى أهله، فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت، فضحكت عائشة وقالت: ما لك يا حولاء؟ فقالت: إنه أتاها أمس. وقال رسول الله ﷺ: "ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم، ألا إني أنام وأقوم، وأفطر وأصوم، وأنكح النساء، فمن رغب عني فليس مني". فنزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ يقول لعثمان: لا تجبَّ نفسك؛ فإن هذا هو الاعتداء [٣]، وأمرهم أن يكفروا عن [٤] أيمانهم، فقال: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾. رواه [٥] ابن جرير (٦٣٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ يحتمل أن يكون المراد منه: ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم [٦] المباحات عليكم، كما قاله من قاله من السلف، ويحتمل أن يكون المراد: كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال، بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم، ولا تجاوزوا الحد فيه، كما قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾. وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي [٧] عنه، لا إفراط ولا تفريط؛ ولهذا قال: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
ثم قال: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ أي: في حال كونه حلالًا طيبًا ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: في جميع أموركم، واتبعوا طاعته ورضوانه، واتركوا مخالفته [٨] وعصيانه، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾.