للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كباره.

وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم [١] في رحالهم، لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون.

﴿لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ يعني: أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح، [سرًا وجهرًا]، ليظهر طاعة من يطيع منهم في سره أو [٢] جهره، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.

وقوله هاهنا: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإِعلام والإِنذار والتقدم، ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: لمخالفته أمر الله وشرعه.

ثم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ونهي عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره، فأَما غير المأكول من حيوانات البر فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما [ثبت في الصحيحين (٧٢١)] [٣] من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين، أن رسول الله قال: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم [٤]؛ الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور".

وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله قال: "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح؛ الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". أخرجاه (٧٢٢).


(٧٢١) - تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة/ الآية ٢٧.
(٧٢٢) - رواه مالك في الموطأ كتاب الحج، باب: ما يقتل المحرم من الدواب حديث (٨٨)، ومن طريقه رواه البخاري في صحيحه كتاب جزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب حديث (١٨٢٦)، ومسلم في "صحيحه" كتاب الحج، باب: مايندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، حديث (١١٩٩/ ٧٦)، ورواه مسلم برقم (١١٩٩) من طرق عن نافع به. ورواه مالك في الموطأ (٨٩) ومن طريقه البخاري (١٨٢٦)، ورواه مسلم (١١٩٩/ ٧٩) من طريق عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر به نحو رواية نافع.