يذكر تعالى ما امتن به على عبده ورسوله عيسى ابن مريم ﵇ مما [١] أجراه على يديه من المعجزات الباهرات [٢] وخوارق العادات فقال: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ أي: في خلقي إياك من أم بلا ذكر، وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء ﴿وَعَلَى وَالِدَتِكَ﴾ حيث جعلتك [٣] لها برهانًا على براءتها مما نسبه [٤] الظالمون الجاهلون إليها [٥] من الفاحشة ﴿إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ وهو جبريل ﵇ وجعلتك نبيًّا داعيًا إلى الله في صغرك وكبرك، فأنطقتك في المهد صغيرًا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب، واعترفت لي بالعبودية، وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوت [٦] إلى عبادتي؛ ولهذا قال: ﴿تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ أي: تدعو [الناس إلى الله] في صغرك وكبرك، وضمَّن تكلم تدعو؛ لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب.
وقوله: ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أي: الخط والفهم ﴿وَالتَّوْرَاةَ﴾ وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم، وقد يرد لفظ التوراة في الحديث وواد به ما هو أعم من ذلك.
وقوله: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾ أي: تصوره وتشكله على هيئة الطائر لاذني لك في ذلك ﴿[فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا][٧] بِإِذْنِي﴾ أي: فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك، فتكون [٨] طيرًا ذا روح تطير [٩] بإذن الله وخلقه.
وقوله تعالى: ﴿وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي﴾ قد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته. وقوله: ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ أي: تدعوهم فيقومون من