للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"هذا لي وله ما بقي". وهذا غريب من هذا الوجه (٤١).

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة [١]، من وجوه:

(أحدها) أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة، والمراد القراءة كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَينَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ أي: بقراءتك، كما جاء مصرحًا به في الحديث [٢] الصحيح عن ابن عباس (٤٢)، وهكذا قال في هذا الحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل" ثم بين [تفصيل [٣] هذه القسمة] [٤] في قراءة الفاتحة، فدل على عظمة [٥] القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها، إذ [٦] أطلقت العبادة وأريد بها [٧] جزء واحد منها وهو القراءة، كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ والمراد صلاة الفجر، كما جاء مصرحًا به في الصحيحين (٤٣) من أنه يشهدها [٨] ملائكة الليل وملائكة النهار، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة، وهو اتفاق من العلماء، ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني، وذلك أنه هل [٩] يتعين للقراءة في الصلاة [] [١٠] فاتحة الكتاب أم تجزئ هي [أو غيرها] [١١]؟ على قولين مشهورين:

فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة، واحتجوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ وبما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله قال له: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن". قالوا: فأمره بقراءة ما تيسر، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها، فدلَّ على ما قلنا [١٢].


(٤١) - قال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- في تعليقه على ابن جرير: ولعله يريد أنه لم يروه أحدٌ من حديث جابر؛ إلا بهذا الإسناد، وليس من ذلك بأس، وقد ثبت معناه من حديث أبي هريرة، فهو شاهدٌ قوي لصحته.
(٤٢) - رواه البخاري في كتاب التوحيد، رقم (٧٤٩٠)، ومسلم في كتاب الصلاة، حديث ١٤٥ - (٤٤٦).
(٤٣) - رواه البخاري في الأذان برقم (٦٤٩)، وسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (٦٤٩).