للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= خلف إمام فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ من صلاته قلت: ما هذا؟! غُيِّب عنا هذه التي أراك تجهر بها فإني قد صليت مع النبي، ، ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا بها انتهى. فهؤلاء ثلاثة رووا هذا الحديث عن ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه، وهم أبو نعامة الحنفي قيس بن عباية وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال ابن عبد البر: هو ثقة عند جميعهم. وقال الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه ببدعة في دينه، ولا كذب في روايته، وعبد الله بن بريدة، وهو أشهر من أن يثنى عليه، وأبو سفيان السعدي وهو إن تكلم فيه ولكنه يعتبر به، ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن مغفل: يزيد، كما هو عند الطبراني فقط، فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة عنه.
وقد تقدم في مسند الإمام أحمد، عن أبي نعامة، عن بني عبد الله بن مغفل، وبنوه الذي يروي عنهم يزيد وزياد ومحمد، والنسائي وابن حبان وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو واحد منهم حديثًا منكرًا، ليس له شاهد ولا متابع، حتى يجرح بسببه، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات، فأما يزيد فهو الذي سُمي في هذا الحديث، وأما محمد فروى له الطبراني عنه عن أبيه؛ قال: سمعت النبي، ، يقول: "ما من إمام يبيت غاشًّا لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" وزياد أيضًا روى له الطبراني عنه، عن أبيه، مرفوعًا: "لا تحذفوا فإنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ العدو ولكنه يكسر السن ويفقأ العين" انتهى.
وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به، لا سيما إذا تعددت شواهده، وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع، ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث، إذ قال بعد أن رواه في كتاب المعرفة من حديث أبي نعامة بسنده المتقدم ومتن السنن: هذا حديث تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح.
فقوله: "تفرد به أبو نعامة"، ليس بصحيح، فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان كما قدمناه، وقوله: "وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا الصحيح" ليس هذا لازمًا في صحة الإسناد، ولئن سلمنا فقد قلنا: إنه حسن، والحسن يحتج به، وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثًا عن نبيهم، ، يتوارثه خلفهم عن سلفهم، وهذا وحده كاف في المسألة لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحًا ومساءًا، فلو كان يجهر بها دائمًا لما وقع فيه اختلاف، ولا اشتباه، ولكان معلومًا بالاضطرار، ولما قال أنس: لم يجهر بها، ، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضًا، وسماه حدثًا، ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي، ، ومقامه على ترك الجهر يتوارثه آخرهم عن أولهم، وذلك جار عندهم مجرى الصاع والمد، بل أبلغ من ذلك؛ لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة، ولان الصلاة تتكرر كل يوم وليلة، وكم من إنسان لا يحتاج إلى صاع ولا مد، ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله، يفعله.