يقول تعالى ممتنًّا على عبيده فيما مكن لهم من أنه [٢] جعل الأرض قرارًا، وجعل فيها [٣] رواسي وأنهارًا، وجعل لهم فيها منازل وبيوتًا، وأباح لهم منافعها، وسخر لهم السحاب، لإِخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش، أي: مكاسب وأسبابًا [يكسبون بها][٤]، ويتجرون فيها، ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك، كقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾.
وقد قرأ الجميع: ﴿مَعَايِشَ﴾ بلا همز إلا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنه همزها، والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز؛ لأن معايش جمع مَعِيشة من عاش يعيش عيشًا، ومعيشة أصلها مَعْيِشة، فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت [٥] إلى العين فصارت معِيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال، فقيل: معايِش ووزنه مفاعل؛ لأن الياء أصلية في الكلمة، بخلاف مدائن وصحائف وبصائر، جمع مدينة وصحيفة وبصيرة، من مدن وصحف وأبصر؛ فإن الياء فيها زائدة؛ ولهذا تجمع على فعائل، وتهمز لذلك، والله أعلم.
(١١) - صحيح بطرقه أخرجه الطيالسي (٣٥٥) وأحمد في "المسند" (١/ ٤٢٠، ٤٢١) وفى "الفضائل" (٢/ رقم ١٥٥٢) وابن سعد فى "الطبقات" (٣/ ١١٥) والفسوي فى "المعرفة والتاريخ" (٢/ ٥٤٥) والبزار في مسنده (٥/ ١٨٢٧) وأبو يعلى (٩/ ٥٣١٠) والطبرانى في "الكبير" (٩/ ٧٥) وأبو نعيم فى "الحلية" (١/ ١٢٧) من حديث عبد الله بن مسعود - وهو مغاير في بعض الأحرف لسياق المصنف - بإسناد حسن، وله شاهد من حديث على بن أبي طالب عند أحمد (١/ ١١٤) والبخاري في "الأدب المفرد" (٢٣٧) وأبى يعلى (١/ ٥٣٩) وغيرهم وإسناده حسن، وشاهد آخر من حديث قرة بن إياس عند البزار (٣/ ٢٦٧٧/ كشف الأستار) والطبرانى في "الكبير" (١٩/ ٢٨) والفسوي (٢/ ٥٤٦) والخطيب فى "تاريخ بغداد" (١/ ١٤٨) وصححه الحاكم (٣/ ٣١٧) ووافقه الذهبي، وانظر - غير مأمور - "إرواء الغليل" للألبانى (١/ رقم ٦٥) وكذا "صحيح الأدب المفرد" (١٧٦).