ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام [١] على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة [٢] عدوهم إبليس، وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم؛ ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم ﵇ بيده من طين لازب، وصوّره بشرًا سويًّا [٣]، ونفخ فيه من روحه - أمر [٤] الملائكة بالسجود له تعظيمًا لشأن الله [٥] تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. وقد تقدم الكلام على إبليس أول تفسير سورة البقرة.
وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير [٦]: أن المراد بذلك كله آدم ﵇.
وقال سفيان الثوري: عن الأعمش، عن منهال [٧] بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ قال: خلقوا في أصلاب الرجال، وصوّروا في أرحام النساء.
رواه الحاكم (١٢)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
ونقل [٨] ابن جرير [٩]، عن بعض السلف أيضًا: أن المراد بـ ﴿خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾
(١٢) - " المستدرك" (٢/ ٣١٩) من طريق أبى نعيم ثنا سفيان به، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن أبى حاتم (٥/ ٨٢٣٢، ٨٢٣٤) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، وأخرجه ابن جرير (١٢/ ١٤٣٤٩) من طريق مؤمل ثنا سفيان قال: سمعت الأعمش يقرأ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ … ﴾ فذكره من قول الأعمش ومؤمل هو ابن إسماعيل سيئ الحفظ، والأثر زاد نسبته السيوطي في "الدر المنثور" (٣/ ١٣٤) إلى عبد الرزاق - ولم أجده في تفسيره - وعبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ والبيهقي في "الشّعب".