للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال كثير من المفسرين: الضمير عائد إليَّ الجنَّة، ويحتمل أن يكون عائدا على [١] المنزلة التي هو فيها في الملكوت الأعلى.

﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ أي: الذليلين الحقيرين، معاملة له بنقيض قصده، ومكافأه لمراده بضده، فعند ذلك استدرك اللعين، وسأل النظرة إلى يوم الدين، قال: ﴿أَنْظِرْنِي [٢] إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾، أجابه تعالى إلى ما سأل؛ لما له في ذلك من الحكمة والاِرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب.

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾

يخبر تعالى أنَّه لما أنظر إبليس ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، واستوثق إبليس بذلك، أخذ في المعاندة والتمرد، فقال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: كما أغويتني.

قال ابن عباس (١٨): كما [٣] أضللتني. وقال غيره: كما [٤] أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه، على ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ أي: طريق الحق وسبيل النجاة، فلأضلنهم [٥] عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي.

وقال بعض النُّحاة: الباء ها هنا قسمية، كأنه يقول: فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم.

[قال مجاهد ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾] [٦] يعني: الحق.

وقال محمَّد بن سوقة: عن عون بن عبد الله: يعني طريق مكّة.

قال ابن جرير [٧]: والصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك.

(قلت): لما روى الإمام أحمد (١٩): حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا أبو عقيل - يعني:


(١٨) - أخرجه ابن جرير (١٢/ ١٤٣٦١) واللالكائي في "أصول الاعتقاد" (٣/ رقم ١٠٠٢) من طريق على ابن أبي طلحة عنه به، وزاد نسبته السيوطي في "الدر المنثور" (٣/ ١٣٥) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(١٩) - حسن "المسند" (٣/ ٤٨٣) ومن طريقه المزي في "تهذب الكمال" (١٠/ ٢٠٢، ٢٠٣) ==