وقال العوفي، عن ابن عباس: ﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ يقول: تلقيتها من الله تعالى.
وقال الضحاك: ﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ يقول: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء.
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ﴾ أي: معجزة وخارق، كما قال تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)﴾، يقولون للرسول ﷺ: لا تجهد نفسك في طلب الآيات حتى نراها ونؤمن بها، قال الله تعالى له: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي﴾ أي: أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء [١]، وإنما أتبع ما أمرني به، فأمتثل ما يوحيه إلي؛ فإن بعث آية قبلتها، و إن منعها لم أسأله ابتداءً إياها، إلا أن يأذن لي في ذلك، فإنه حكيم عليم.
ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات، فقال: ﴿هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدًة ورحمة، أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظامًا له واحترامًا، لا كما كان يعتمده [٢] كفار قريش المشركون [٣] في قولهم: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾. ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإِمام بالقراءة، كما ورد الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (٣١٨) من حديث أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به؛ فإذا كبر فكبروا، وإذا
(٣١٨) - صحيح مسلم، كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (٦٣) (٤٠٤)، وكذا أخرجه أحمد (٤/ ٤١٥) وأبو داود، كتاب: الصلاة، باب: التشهد (٩٧٣) والنسائي، كتاب: الافتتاح، باب: نوع آخر من التشهد (٢/ ٢٤٢) وابن ماجه، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (٨٤٧) وغيرهم من طريق سليمان التيمي عن قتادة عن أبي غلاب يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: قال أبو موسى … فذكر حديثًا مطولًا، ورواه بعضهم مختصرًا، قال البزار في مسنده (٨/ ٦٦): "روي هذا الحديث جماعة عن قتادة بهذا الإسناد ولا نعلم أحدًا قال فيه: "وإذا قرأ الإمام فأنصتوا" إلا التيمي إلا حديثا - ثم أسند إلى سالم بن نوح عن عمرو بن عامر - عن قتادة بالإسناد السابق بنحو حديث التيمي، وفي صحيح مسلم عقب هذا الحديث: "قال أبو إسحاق - صاحب مسلم وراوي الكتاب عنه =