للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في أنفسهم، ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرًّا ولا علانية، فإن الله تعالى قال: ﴿وَإِذَا [١] قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)﴾.

قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء: أن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإِمام، لا الفاتحة ولا غيرها، وهو أحد قولي الشافعي [٢]، وهو القديم، كمذهب مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل، لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة. و [٣] قال في الجديد: يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإِمام. وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلًا في السرية ولا الجهرية؛ لما ورد في الحديث "من كان له إمام فقراءته له قراءة". وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعًا، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان، عن جابر موقوفًا، وهذا أصح (٣٢٥) وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري [٤] مصنفًا على حدة، واختار وجوب القراءة خلف الإِمام في السرية والجهرية أيضًا، والله أعلم.

وقال على بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾، يعني: في الصلاة المفروضة. وكذا روي عن عبد الله بن المغفل.

وقال ابن جرير (٣٢٦): حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريري، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان، والقاص يقص، فقلت: ألا تستمعان [٥] [إلى الذكر] [٦] وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إليّ، ثم أقبلا على حديثهما، قال: فأعدت، فنظرا إلى وأقبلا على حديثهما، قال: [فأعدت الثالثة] [٧] فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾.

وقال سفيان الثوري، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير، عن مجاهد في قوله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قال: في الصلاة. وكذا رواه غير واحد عن مجاهد.

وقال عبد الرزاق، عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير


(٣٢٥) - تقدم تخريجه [في أول سورة الفاتحة].
(٣٢٦) - تفسير ابن جرير (١٣/ ١٥٥٨٥).